الجمعة، 14 سبتمبر 2012

تبدأ رواية «حوار على خط النار» للكاتب الصحافي سعيد توفيقي والتي وثق من خلالها بأسلوب يمزج بين الرواية الأدبية والتوثيق التاريخي للأحداث التي شهدتها الكويت في الثمانينات من اندلاع الحرب العراقية الايرانية في 22/9/1980 وهي الحدث الأبرز الذي تدور حوله كل الأحداث التي تناولتها الرواية التي اختتمها توفيقي بنهاية الحرب بعد قبول ايران وقف الحرب وهو القرار الذي وصفه الزعيم الايراني الخميني بأنه أصعب عليه من تجرع السم. في ما يلي تستعرض «الراي» مقتطفات من أهم ما جاء في الرواية:

تبدأ رواية «حوار على خط النار» للكاتب الصحافي سعيد توفيقي والتي وثق من خلالها بأسلوب يمزج بين الرواية الأدبية والتوثيق التاريخي للأحداث التي شهدتها الكويت في الثمانينات من اندلاع الحرب العراقية الايرانية في 22/9/1980 وهي الحدث الأبرز الذي تدور حوله كل الأحداث التي تناولتها الرواية التي اختتمها توفيقي بنهاية الحرب بعد قبول ايران وقف الحرب وهو القرار الذي وصفه الزعيم الايراني الخميني بأنه أصعب عليه من تجرع السم. في ما يلي تستعرض «الراي» مقتطفات من أهم ما جاء في الرواية:
يهيئ المؤلف في الصفحات الأولى للرواية القارئ نفسيا للتفاعل مع مضمونها وكذلك يفعل مع كل تطور في الأحداث، وهو أمر يمكن ملاحظته بوضوح فمعظم شعوب المنطقة ومنهم الكويتيون تفاعلوا من منطلق عاطفي ونفسي مع الأحداث التي شهدتها منطقتهم.. فبعد مدخل مباشر للرواية من اليوم الذي اعتبر من الناحية العسكرية البداية الرسمية للحرب بين البلدين عاد المؤلف الى الوراء قليلا ليشير الى أن نجاح ثورة الخميني كان مادة يومية في وسائل الاعلام الكويتية والخليجية مثلما كانت كذلك في وسائل الاعلام العالمية... فوصول الخميني للسلطة كان بمثابة حدث تاريخي أفرز واقعا سياسيا مختلفا في المنطقة. واذا كان الغرب بدوائره السياسية الحاكمة أو النخب المثقفة وأوساطه الاعلامية متفقا على خسارته من التغيير، فان الآراء وردات الفعل في المنطقة كانت منقسمة ومتباينة ولم يكن ما يقال في العلن سواء في الخطب السياسية للمسؤولين في دول الخليج أو في الأغنيات والأناشيد الوطنية، وما كانت تؤكد عليه المناهج والكتب الدراسية من وحدة النسيج الاجتماعي والتطابق الكامل بين مكونات الشعب... كان ليس سوى آمال وأمان لدى القيادات السياسية، فقد ظهرت فجأة مخاوف من حدوث انقسامات حادة بين تلك المكونات، فوصول الخميني الى السلطة في ايران وتزامن ذلك مع تصاعد المد الديني سواء عند السنة أو عند الشيعة قد أحدث نوعا من القلق والتخوف من التأثير السلبي المحتمل على استقرار المنطقة خصوصا وأن بعض رجال الدين الايرانيين الذين تولوا مواقع قيادية بارزة بدأوا يصعدون من لهجتهم الهجومية ضد دول الخليج على اعتبار أنهم ينفذون أجندات أميركية أو مخططات» الشيطان الأكبر».

«الائتلافية» تسيطر على الجامعة
ووفقا لأحداث الرواية فقد تزامنت تلك الفترة التي اندلعت فيها شرارة الحرب بين العراق وايران مع التحاق راشد - الشخصية المحورية في الرواية - للدراسة في كلية الآداب في جامعة الكويت، حيث كانت قائمة الائتلافية التي تمثل كما يقول الكثيرون تيار جمعية الاصلاح الاجتماعي أو الاخوان المسلمين في الكويت، كانت قد عززت سيطرتها على الاتحاد الوطني لطلبة الكويت بفارق كبير عن القوائم الأخرى وأهمها قائمة الوسط الديموقراطي التي ينظر اليها باعتبارها امتدادا للتيار الليبرالي الذي تعتبر مجموعة الطليعة أو جماعة الدكتور أحمد الخطيب واجهتها الأبرز... وكان التيار الليبرالي يفسر الفوز الكاسح للائتلافية في انتخابات طلبة الجامعة في اطار ما يعتبره تحالفا بين السلطة والتيار الديني بشكل عام لاقصاء التيار الليبرالي عن المشهد السياسي والاجتماعي العام في المجتمع في حين كان أتباع التيار الديني في المجتمع يفسر ما يحدث في الجامعة في اطار الصحوة الإسلامية التي تشهدها الكويت وكل البلدان الإسلامية بعد اخفاق التيار الليبرالي في قيادة المجتمعات العربية والإسلامية نحو التطور والتنمية، بل انها لم تقدم للأمة سوى الكوارث والمصائب.

إعدام عباس هويدي
ووفقا لأحداث الرواية فقد انشغل الكويتيون في متابعة التطور اليومي على الصعيد الميداني للحرب، وقد انقسموا الى فريقين، غالبية سنية يدعمها الموقف الرسمي للدولة كانت تؤيد الموقف العراقي وأقلية شيعية تؤيد الموقف الايراني، وقد كانت مخاوف حكومات المنطقة وشعوبها تجاه سلوك حكومة الثورة في ايران تتصاعد في اطار التهديدات التي كانت تطلق من بعض الأطراف المؤثرة في طهران. كما أن تشكيل محاكم الثورة التي كانت تنتهج العنف وعدم الصفح مع رموز عهد الشاه مثل أشهر رئيس وزراء في ايران عباس أمير هويدي الذي كان يحاكم علنيا من خلال أجهزة الاذاعة والتلفزيون، والذي صدر عليه حكم بالاعدام خلال أيام معدودة من المحاكمة ونفذ بسرعة البرق، كان يصعد من المخاوف لدى دول الخليج.

الصحافة الكويتية
ثم يشير الكاتب الى وضع الصحافة الكويتية والتي كانت في تلك الفترة يطلق عليها صحافة صادرة في الكويت حيث كان الشأن المحلي لا يشكل سوى نسبة بسيطة من اجمالي المواضيع المنشورة سواء الأخبار أو التحليلات، حيث كان الكثير يعتبرونها ساحة لتصفية الخلافات بين الحكومات والأحزاب العربية. وكانت الصحف الكويتية لا تخفي ميلها للانحياز ناحية الموقف العراقي بل كنت تنشر الكثير من المقالات والتحليلات التي كان كتابها يبالغون في تمجيد صدام حسين... ووفقا للكاتب فان هذا الموقف كان تعبيرا عن الموقف الرسمي والشعبي في الكويت ودول الخليج باستثناء الموقف الذي كان يتخذه الشيعة.

القوى الليبرالية والوطنية
كما تناول عودة الحياة البرلمانية في فبراير 1981مع صدور مرسوم أميري بالدعوة الى انتخاب أعضاء مجلس الأمة بعد توقف دام نحو خمس سنوات، وذلك وفق نظام جديد للدوائر يتضمن 25 دائرة رأى فيه الكثيرون أنه نظام ستكون له عواقبه ونتائجه... وفقا للحوار الذي يدور بين شخصيات الرواية وهم طلبة في جامعة الكويت في تلك الفترة فان السلطة أرادت تحجيم بعض القوى التي كانت ترى فيها أنها تطمح الى الحد من نفوذها وهي طبقة التجار ومجموعة القوى الليبرالية وبعض الجماعات التي لديها امتداد في التيار القومي العربي حيث أظهرت نتائج الانتخابات عن فوز كوكبة جديدة من النواب الذين ستلمع نجومهم في سماء الحياة السياسية الكويتية مثل مشاري العنجري وعيسى ماجد الشاهين وعبدالمحسن جمال وعدنان عبدالصمد.
ووفقا للحوار الذي دار بين راشد وهو بطل الرواية والذي فقد بصره وبين صديقه يوسف ذي الاتجاه اليساري بعد خروجهما من ديوان الدكتور أحمد الخطيب، يتساءل راشد عن جدوى التطرف في اتخاذ المواقف والتعبير عنها حيث كان الخطيب كما كان يرى راشد يتسم طرحه بشيء من التطرف وهو ما يفقده التأييد من قبل أعداد كبيرة من الكويتيين وهو السبب الذي يراه راشد بأنه أفقد الخطيب مقعده في الروضة في 1981 لصالح عيسى ماجد الشاهين، في حين كان يوسف يرى أن الخطيب واضح في موقفه وليس من ذلك النوع من السياسيين الذين يتلونون حسب مصالحهم الشخصية وأنه يعتبر من طليعة الذين كافحوا من أجل أن ينعم الجميع بالحرية.

المجاهدون الأفغان
كما يوضح الكاتب أنه في تلك الفترة أيضا كانت الجماعات الإسلامية تحشد كل طاقاتها وقواها لمؤازرة المقاتلين الأفغان حيث كانت الساحة الأفغانية رمزا للجهاد ضد الاحتلال السوفياتي قلعة الكفر والالحاد حيث كانت المهرجانات الخطابية تقام بشكل مستمر في كل مكان ومنها ساحات الجامعة حيث كانت سيطرة الائتلافية تسهم كثيرا في تسهيل تنظيم مثل هذه المهرجانات، فيما كان الصوت الآخر المتمثل في أنصار التيار الليبرالي لا يخفي شعوره بالامتعاض، كما كانت مقالات كتاب الزوايا في مجملها لا تجد حرجا في اظهار استخفافها بتفكير المنتمين لهذه الجماعات التي كان يرون فيهم أنهم مجموعة من الوصوليين الذين لا يتورعون عن استخدام وتوظيف المشاعر العاطفية التي تنبع من قلوب حسنة النوايا من أفراد الشعب في تحقيق مآربهم.

الكويتيون والخليج
كما سلط المؤلف الضوء على موقف شعوب دول الخليج ومنها الكويتيون من تأسيس مجلس التعاون الخليجي في مايو 1981 من خلال حوار الطلبة في الجامعة حيث أجمع المتحاورون على أن شعوب هذه الدول ترحب بخطوة كهذه ولكن مع تساؤل بارز ان كانت غاية تأسيسه سوف تقود الى تحقيق انجازات سيلمسها المواطن أم انه أنشئ لغاية حماية الأنظمة... ويقول حيدر الذي يعتبر عضوا في احدى القوائم الطلابية الشيعية لزميلته عائشة بأن كل دول الخليج ينظرون الى الكويتيين بأنهم يتسمون بالغرور ولهذا شجعت كل الشعوب الخليجية العراق في مباراته أمام الكويت في المبارة النهائية في كأس الخليج التي أقيمت في قطر في 1976 والتي فازت فيها الكويت وقررت بعدها الانسحاب من دورات كأس الخليج... ولكنها وتحت وطأة مناشدات من الاتحادات الخليجية عادت وشاركت.
كما يتناول الكاتب حادثة اغتيال الرئيس المصري أنور السادات في 6/10/1981 ويشير الى أنها تعتبر مؤشرا واضحا على تنامي المد الإسلامي وتصاعد تأثير الجماعات الإسلامية، وأشار الى موقف جمعية الاصلاح الاجتماعي من خلال مجلة المجتمع وهي لسان حال الجمعية والتي خرجت على غلافها بصورة للرئيس السادات قبيل اغتياله وقد كتبت تحتها الآية القرآنية «وخرج على قومه في زينته....».

المناخ... وصبرا وشاتيلا
ووفقا لأحداث الرواية فان أهم حدثين شهدهما عام 1982 هما انفجار فقاعة تعاملات سوق المناخ حيث كلفت الدولة المليارات من الدنانير وكانت بحق أزمة أخلاقية قبل أن تكون أزمة اقتصادية، حيث كانت مجموعة من المستثمرين وعلى مرأى ومسمع من الحكومة تقوم بفعل بعيد كل البعد عن أي عمل تجاري مشروع، حيث لم تكن التعاملات سوى بيع وشراء أسهم لشركات وهمية غير موجودة تتضاعف أسعارها بشكل جنوني في حين هجرت رؤوس الأموال من البورصة وهي السوق الرسمي للأسهم الى سوق المناخ الذي كان مجرد وعاء مثقوب لمدخرات عامة الناس صبت في جيب عدد محدود من المستثمرين الذين اشتهر عنهم ممارسات غير أخلاقية سواء في تعاملاتهم التجارية أو في سلوكهم الشخصي، الأمر الذي جلب السخط من عامة الشعب عليهم... كما تعرض الكاتب الى الحلول التي قدمت من أكثر من طرف ورفضتها الحكومة كمقترح غرفة التجارة أو مساعي وزير المالية حينها عبداللطيف الحمد الذي قدم استقالته بعد أشهر من وقوع أزمة المناخ.
أما الحدث الثاني الذي شهده ذلك العام فهو مذبحة مخيمي صبرا وشاتيلا الفلسطينيين في بيروت والتي قامت بها قوات الكتائب اللبنانية بعد يوم واحد من اغتيال الرئيس اللبناني بشير الجميل الذي وقع اتفاقية سلام مع اسرائيل... واغتيال السكرتير الأول في السفارة الكويتية في العاصمة الاسبانية مدريد نجيب الرفاعي من قبل عناصر تنتمي لمجموعة «أبونضال» القائد الفلسطيني المنشق عن حركة فتح والذي كانت الحكومة تدرك بأنه يستهدف المصالح والشخصيات الكويتية لوقوفها مع ياسر عرفات، ويوضح الكاتب في أكثر من موقع من أحداث الرواية بأن وجود عدد كبير من الفلسطينيين في الكويت يعتبر عاملاً يضغط على الحكومة في كثير من المواقف.

تفجير السفارتين الأميركية والفرنسية
ثم يتعرض الكاتب بشيء من التفاصيل الى حدث بارز شهدته الكويت في ديسمبر 1983 وهو اليوم الذي شكل منعطفا مهما في التاريخ الحديث للبلد حيث قام سائق شاحنة بعملية انتحارية بتفجير مقر السفارة الأميركية في الكويت في وقت تزامن مع تفجير مقر السفارة الفرنسية ووضع متفجرات في خمسة مواقع حكومية حيوية أخرى ليقوم الحرس الوطني والجيش بانزال وحدات من قواتهما في شوارع البلد في حدث هو الأول من نوعه. كما قامت قوات الأمن بوضع العشرات من نقاط التفتيش في الشوارع في جميع مناطق البلاد، ليعبر راشد لمجموعته بأن الأمر ستكون له تداعياته حيث سيزيد من الانقسام بين فئات منقسمة بالفعل من المجتمع وسوف يعزز من حالة التشكيك بالولاء للوطن. كما يتعرض الكاتب على لسان احدى شخصيات الرواية الى موقف النواب الشيعة وهم عدنان عبدالصمد وناصر صرخوه وعبدالمحسن جمال من طلب الحكومة تقديم دعم مالي للعراق في حربه ضد ايران الذي يعتبر موقفا موجها ضد رغبة معظم أفراد الشعب الكويتي، وموقف راشد من هذا الطرح الذي يعتبر أنه ينطلق من الحرص على أمن وسلامة الكويت وأنه ليس كل من وقف ضد صدام فهو ضد الكويت.. وتشير الحوارات التي أوردها الكاتب الى أن تلك الفترة من تاريخ البلاد كانت تتسم بشيء من التوتر بين مكونات البلد، وأن الحوار بين كل اثنين كان يتم بالكثير من التشكيك والقليل من التسامح وتقبل الآخر... وذلك كأحد أشكال التداعيات المباشرة للحرب العراقية - الايرانية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق